Press ESC to close

عندما لا تكون الحلول إيجابية: الآبار الارتوازية في الحسكة موت بطعم الحياة

موطنٌ لنهر الفرات وروافده يعاني من نقص في مياه الشرب والاستعمال، فلجأ أهالي المنطقة لباطن الأرض لاستخراج ما استعصى عليهم من تأمينه ظاهرها.

قصة معاناة أهالي مدينة الحسكة لا تزال تطفو على سطح الأزمات السورية منذ بداية الحرب، وزاد من معاناتها وقوع مصادر المياه الأساسية خارج سيطرة السكان المحليين. 

كانت”محطة علوك” المصدر الرئيسي سابقاً لتزويد مدينة الحسكة والمناطق المحيطة بها بالمياه، إذ كانت تضخ للمنازل كل احتياجها، لكن بسبب الحرب توقفت عملية تزويد المياه ما أدى إلى وقوع أزمات إنسانية متكررة.

حفر الآبار الارتوازية يأتي نتيجة نقص وجفاف الآبار السطحية حيث يبلغ عمق البئر من 150 حتى 250 متر فأين تكمن الحاجة يأت الحفر، حيث يتفق مجموعة من أهالي الحي بضرورة حفر بئر فيجمعون ما لديهم من مال ويأتون بغرازة من الشركات الخاصة ويحفرون آباراً مشتركة، أو آبار أحادية المصدر، كل حسب قدرته المالية وهو حر التصرف بها، منهم من يبيع ماءها ومنهم من يفتحها سبيل لأهل الحي، ومنهم من يوردها لمحطة التحلية في منطقته ليستفيد منها الجميع. 

هل تجري عملية الحفر وفق دراسة علمية وخطة مدروسة؟ 

يبوح لنا أحد العاملين بمجال حفر الآبار الارتوازية في الحسكة نتحفظ على ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، فيقول: “تعدد الآبار المحفورة في منطقة جغرافية واحدة دون الحرص على المسافات الآمنة بينها، سيؤدي إلى تصدعات في طبقات الأرض مما ينذر بكارثة بيئية على مر السنين لكن حاجة الناس اليوم للمعيشة تحول دون الاكتراث بمثل هذه الأمور الأكثر تعقيداً، والحل يكمن بمحطات التحلية الموزعة بالمناطق ولكن أغلبها لا يمكن الوصول إليها، أو أن تكلفة استصلاحها مرتفعة جداً ليعود بالفائدة على سكان المنطقة”.  

ومن جهة أخرى، عدم مراعاة إجراءات السلامة أثناء حفر البئر وخاصة بالأحياء السكنية، يزيد

من الأمر سوءاً، فحادثة الطفل “أنور لازكين سليمان” التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت صخباً كبير.

إذ توفي أنور، ذو الثماني سنوات، إثر سقوطه ببئر غير مغطى، بعمق 35 مترا، بشارع رسمي بعد عودته من المدرسة بحي الناصرة نتيجة إهمال أصحابه، وباءت محاولة إنعاشه بالفشل من قبل كادر الطوارئ في المستشفى، حسب مصادر محلية.

في حين أن أهل المنطقة استعاضوا عن رفاهية استعمال صنبور المياه للشرب، وبدأوا يستعملون البيدونات والبراميل والخزانات من “أصحاب السيتيرات” الذين يؤمنون المياه من مشروع بئر “نفاشة” على سبيل المثال، ليصل سعر البرميل الواحد حتى خمسة آلاف ليرة سورية.

كما حاول البعض تأمين مياه الشرب من خلال خزانات لجمعيات خيرية أو حتى برعاية أممية، حيث يأخذ منها السكان حاجتهم بالمجان، لترى في كل حارة خزان أو اثنين. 

أما عن مياه الاستعمال اليومي؛ فيضطر الأهالي أيضاً لشرائها بنفس الطريقة، ولكن مع الحاجة المتزايدة للمياه وقلة توريدها بانتظام، وجدوا لها حلاً بالاعتماد على الآبار الارتوازية، لتجد في كل حي عدة آبار ذات مياه مالحة (مُرّة) غير صالحة للشرب لكنها صالحة للتنظيف والاستهلاك اليومي. 

تقول أم جاسم، وهي امرأة ستينية عاشت ويلات الحرب مع أبنائها وأحفادها: “نستفيد من مياه البئر للتنظيف والغسيل، أما للاستحمام فإن الشعر “يكدشي” (يلتصق ببعضه) فنضطر لشراء ماء عذب لهذه الحاجات، عدا عن صعوبة حجز دور عند صاحب “السيتير”، لأنه يعتبر نفسه صاحب منصب و”كبرانه الخسة براسو” يوعد ولا يأتي”.

تقول صديقتي شهد، وهي من أبناء محافظة الحسكة، بأن مشكلة المياه في المدينة لا تقتصر على حفر الآبار الارتوازية، بل على مصدر الماء بحد ذاته فهي لا تعلم من أين يأتي السيتير بالماء الذي يوزعه للناس، فأحياناً يكون له لون وطعم ورائحة على عكس ما تعلمناه عن خصائص الماء في المدرسة لكنهم مضطرون، وإذا قررنا أن نشتري مياه من زجاجات معبأة فإنها تنثني بين أيدينا معلنة سوء التصنيع فما بالك بجودة المياه التي تحتويها!، حيث أن زجاجات المياه تأت من معمل في ريف الحسكة افتتح حديثاً ومنطقة شمال العراق”.

أهداف التنمية المستدامة:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذه المادة هي آراء صانعي المحتوى، ولا تتطابق بالضرورة مع التوجهات الرسمية لمنصة حلول محلية أو الجهات الداعمة لها.

ع 6

اترك تعليقاً

  • en