تولد الحلول من جذور المشكلة ذاتها أيضاً، والرغبة في النمو وتجاوز طبقات التحديات التي تفرضها الطبيعة يكون بالعمل على التعايش مع المشكلة كأمر مسلم به، والبناء فوقها، هذا حال مئات الطلاب فاقدي أو ضعاف البصر الذين كانوا قادرين على التسجيل في الجامعة ضمن اختصاصات محددة، برعاية وإشراف مركز المكفوفين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، إلا أن ذلك لم يحل لهم مشاكلهم اليومية بالتعامل مع المحتوى العلمي للحاق بباقي الطلاب.
من منشور في فيسبوك إلى فريق من 500 متطوع
ومن هنا بدأت حكاية الشاب “وسيم كناكرية” الذي كان يُعاني من ضعف بالبصر سرعان ما تطور مع إجهاده في الدرس والعمل إلى فقد بصر جزئي، حيث تلمس صعوبة تأمين المحتوى العلمي بصيغة صوتية أو نسخ ورقية مطبوعة بطريقة برايل المكلفة مادياً لكنها تمكن المكفوفين من القراءة، فقرر مع مجموعة من الأصدقاء عدم الاعتماد على ما يقدمه مركز المكفوفين فقط، وإنما المساهمة في ولادة حلول جديدة عن طريق تأسيس فريق متطوعي يديره “أصحاب الحاجة” أنفسهم.
ومن منشور على صفحة كلية الآداب وحساب اتحاد الطلبة عام 2019 اجتمع 30 متطوعاً مستعداً لتسجيل محاضرات وكتب جامعية للطلاب المكفوفين، وساروا معاً خطوة بخطوة لتأسيس هوية بصرية للفريق والبدء بالعمل تحت اسم “أقرأ بعيوني.. فعيوني لك“، وحالياً يوجد في الفريق أكثر من 500 متطوع في أقسام متعددة من كلية الآداب.
سوريا والعراق ومصر.. محاضرات بأصوات سورية
مع نهاية كل فصل دراسي، يحرص الفريق عبر حساباتهم في منصات التواصل الاجتماعي، على نشر إحصائيات عن عملهم، ومع نهاية الفصل الدراسي الثاني لعام 2024 تمكن الفريق عبر متطوعيه من تسجيل 662 ملف، 16976 صفحة، بإشراف وتنظيم سبع منسقات يعملن عن قرب مع المتطوعين لتوزيع الأدوار وإعادة تنسيق الملفات والتأكد من جودتها وإرسالها للطلاب، إما عن طريق مركز المكفوفين، أو عبر الإنترنت مباشرة من خلال تطبيقي “واتساب” و”تلغرام”.
“عم نقدر نوصل بأصوات المتطوعين لمستفيدين داخل وخارج سوريا كالعراق ومصر” تتحدث المنسقة دعاء الحمصي المسؤولة عن تسجيل الكتب الجامعية ضمن الفريق حول أهمية ما يقوم به المتطوعين وانتشار جهدهم عربياً، مشيرة إلى تواصل طلاب من دول عربية مع الفريق للحصول على محتوى صوتي لموادهم في كلياتهم، والسبب جودة الصوت والانضباط والالتزام بإيصال المواد للطلبة في وقت محدد، والخدمة المجانية.
بانتظار مساحة للعمل.. المتطوعون مساحتنا
حول التحديات التي تواجه عمل الفريق يقول الأستاذ كناكرية “عدم وجود مكان خاص لاجتماع الفريق أو لتسهيل عمليات التسجيل وغياب التجهيزات الاحترافية لدى أغلب المتطوعين مازال يشكل تحدياً نعمل على تجاوزه يومياً”، لافتاً إلى أن “وجود عدد كبير من المتطوعين وبعضهم ممن يعملون بشكل محترف في مجال التعليق الصوتي هو ما يشكل الدافع الأكبر في التغلب على هذه التحديات”.
ومن بين المتطوعين الصحفية “نغم قدسي” المراسلة السابقة في راديو “بي بي سي عربية”، والتي تتحدث عن تجربتها بالعمل مع الفريق بالقول: “حتى اليوم بفتخر أني ساهمت بتسجيل 7 كتب جامعية لكليات الحقوق والأدب العربي والمعلوماتية، وما فيني أوصف الشعور وقت توصلني رسالة من أحد الطلاب المستفيدين عم يشاركني فرحته بترفيع مواده”، وبهذه الروح العالية لم تتوقف قدسي عند تسجيل محتوى للفريق بصوتها، إلا بل تساهم عبر صفحتها في “فيسبوك” بالترويج لأنشطة الفريق وأثر عمله، وتدعو رفاقها للمساهمة بمهاراتهم في خدمة أهداف الفريق.
ويحصل اليوم فريق “أقرأ بعيوني.. فعيوني لك” على دعم مالي من خلال التبرعات المقدمة عبر جمعيات تُعنى بالمكفوفين، فيما لا يزال عدم وجود “مقر” للفريق عائقاً أمام الحصول على تمويل من المنظمات الأهلية المحلية والدولية بسبب وضع “المقر” كشرط في بعض برامج التمويل، إلا أن الإقبال الكبير على التطوع سنوياً يشكل مورد من الأمل والتشجيع اللازم لمواصلة العمل.
أهداف التنمية المستدامة:
إن الأفكار والآراء الواردة في هذه المادة هي آراء صانعي المحتوى، ولا تتطابق بالضرورة مع التوجهات الرسمية لمنصة حلول محلية أو الجهات الداعمة لها.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.